• ٢٨ نيسان/أبريل ٢٠٢٤ | ١٩ شوال ١٤٤٥ هـ
البلاغ

الحقّ في الصحّة وتشريع نورمبيرج

بهجت الحلو

الحقّ في الصحّة وتشريع نورمبيرج

حماية الحقّ في صحّة الجسم والعقل من أهم الواجبات التي يجب أن تنهض بها مؤسسات الدولة الإدارية والتشريعية والقضائية، لأنّ الصحّة ترتبط بحياة الإنسان تقدّماً ونكوصاً، ويجب أن تبذل من أجل حماية هذا الحقّ التدابير مهما غلت تكاليفها.

وللنهوض بالحقّ في الصحّة، يجب تشجيع أنشطة البحث العلمي الهادف إلى الحفاظ على صحّة الإنسان، والوصول إلى العلاج المناسب للشفاء من الأمراض. والبحث العلمي الأصيل هو بحث قائم على إجراء التجارب والتي لا ننكر أنّها قد تنطوي على مخاطر حتى وإن صفت النوايا، ومهما كانت إجراءات الإحاطة واليقظة.

لقد كان الحقّ في الصحّة في صلب انتباه المشرّع الدولي قديماً وحديثاً، فحديثاً يعتبر الحقّ في الصحّة أحد أهداف التنمية المستدامة 2030 التي تضمّنت توظيف التكنولوجيا الطبية في الأبحاث  الطبية لخدمة الإنسان. وقديماً تم وضع تشريع دولي خاصّ بالأبحاث الطبية سمّى تشريع نورمبيرج روعيت فيه مبادئ أساسية تستجيب لمفاهيم أخلاقية وقانونية  تستند إلى دراية المريض وموافقته المسبقة لإجراء البحث عليه وترجيح عدم إلحاق الضرر به، وضمان كفاءة الباحث الطبي، ويجب أن يكون الشخص المجرب عليه موافق على إجراء التجربة، وهذا يقتضي أن يكون الشخص مكلف حسب القانون يعي اختياراته ومسؤوليته عن أفعاله النافعة نفعاً محضاً، والضارة ضرراً محضاً، ويتمتع بالأهلية والمسؤولية الكاملة، وأن يكون قادر على اتّخاذ قراره بدون أي نوع من التأثيرات الخارجية كالضغط والخداع أو العنف أو التزوير أو أي محاوله إقناع أو غصب تؤثر على قراره، والأهم كذلك أن يكون مدركاً وفاهماً لتفاصيل التجربة.

لقد نظّم تشريع نورمبيرج هذه المسالة بصفته أحد المبادئ الأساسية للأخلاق في التجارب على الإنسان، حيث تم وضع هذا التشريع (أو هذا الكود) خلال محاكمة أطباء النازية في مدينة نورمبيرج الألمانية بعد هزيمة الألمان في الحرب العالمية الثانية، ويعتبر حتى اليوم، الأساس في مجال إعداد وتنفيذ التجارب الطبية والنفسية على بني الإنسان. ومبادئ تشريع نورمبرج بشأن إجراء التجار بالطبية على الإنسان هي:

1- يجب أن تحمل التجربة هدفاً إيجابياً للبشرية، هدفاً لا يمكن الوصول إليه إلّا عبر هذه الطريقة.

2- ينبغي أن تُبنى التجربة على معرفة سابقة، كتجارب على الحيوانات أو معلومات طبيعية، ممّا يجعل إجراء التجربة مبرراً.

3- ينبغي أن تتم التجربة بطريقة يتم خلالها تجنّب الأضرار النفسية والجسدية التي لا تلزم.

4- غير مسموح بإجراء أي تجربة من الممكن أن تؤدّي إلى الموت أو إلى إعاقة دائمة، إلّا إذا كان المجرب هو نفسه الشخص المجرب عليه.

5- ممنوع وبشكل مطلق أن تغلب الأضرار الناجمة عن التجربة على الفائدة المرجوة منها في إطار الحدود الإنسانية.

6- الإعداد للتجربة لابدّ أن يتم بشكل لائق، بحيث يتم تجنّب الأضرار الجسدية أو الموت على الأقل للشخص المجرب عليه.

7- يجب أن يتم إجراء التجربة من قبل أشخاص مؤهلين، ولابدّ من التزام الاحترام والحذر في جميع مستويات التجربة ومن قبل جميع الأشخاص.

8- يجب أن تكون للشخص المجرب عليه الفرصة لإنهاء التجربة في أي وقت، عندما يشعر أنّه غير قادر على المواصلة من الناحية الجسدية أو النفسية.

9- يجب على مجري التجربة أن يكون مستعداً لإنهاء التجربة في أي وقت، إذا ما شعر من خلال خبرته المتخصصة أنّ مواصلتها ستؤدّي إلى إصابة الشخص المجرب عليه أو إعاقته إعاقة دائمة أو موته.

إنّ الإنسان يتمتع بكرامة متأصلة فيه، يجب احترامها وصيانتها في كلّ وقت دون تمييز أو انتقاص، وإنّ المحافظة على صحّة الإنسان وحمايتها أمر جوهري، والسعي لإجراء تجارب طبية تسهم في تعزيز وحماية هذا الحقّ أمر ضروري، ولكنّها عملية تخضع لتنظيم القانون وحماية القضاء وفق قواعد ومعايير المساءلة والمحاسبة وجبر الضرر والتعويض.

ارسال التعليق

Top